الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام
.باب فضل الجماعة ووجوبها: 1- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة».الكلام عليه من وجوه:أحدها: استدل به على صحة الفذ وأن الجماعة ليست بشرط ووجه الدليل منه: أن لفظة (أفعل) تقتضي وجود الاشتراك في الأصل مع التفاضل في أحد الجانبين وذلك يقتضي وجود فضيلة في صلاة الفذ وما لا يصح فلا فضيلة فيه ولا يقال: أنه قد وردت صيغة (أفعل) من غير اشتراك في الأصل لأن هذا إنما يكون عند الإطلاق وأما التفاضل بزيادة عدد فيقتضي بيانا ولابد أن يكون ثمة جزء معدود يزيد عليه أجزاء أخر كما إذا قلنا: هذا العدد يزيد على ذاك بكذا وكذا من الآحاد فلابد من وجود أصل العدد وجزء معلوم في الآخر ومثل هذا ولعله أظهر منه: ما جاء في الرواية الأخرى «تزيد على صلاته وحده» أو «تضاعف» فإن ذلك يقتضي ثبوت شيء يزداد عليه وعدد يضاعف نعم يمكن من قال بأن صلاة الفذ من غير عذر لاتصح وهو داود على ما نقل عنه أن يقول: التفاضل يقع بين صلاة المعذور فذا والصلاة في جماعة وليس يلزم إذا وجدنا محملا صحيحا للحديث أكثر من ذلك ويجاب عن هذا بأن الفذ معرف بالألف واللام فإذا قلنا بالعموم دل ذلك على فضيلة صلاة الجماعة على صلاة كل فذ فيدخل تحته الفذ المصلي من غير عذر.الثاني: قد ورد في هذا الحديث التفضيل «بسبع وعشرين درجة» وفي غيره التفضيل: «بخمس وعشرين جزءا» فقيل في طريق الجمع: أن الدرجة أقل من الجزء فتكون الخمس والعشرون جزءا سبعا وعشرين درجة وقيل: بل هي تختلف باختلاف الجماعات باختلاف الصلوات فما عظم فضله منها عظم أجره وما نقص عن غيره نقص أجره ثم قيل بعد ذلك: الزيادة للصبح والعصر وقيل: للصبح والعشاء وقيل: يحتمل أن يختلف باختلاف الأماكن كالمسجد مع غيره.الثالث: قد وقع بحث في أن هذه الدرجات هل هي بمعنى الصلوات؟ فتكون صلاة الجماعة بمثابة خمس وعشرين صلاة أو سبع وعشرين أو يقال: إن لفظ (الدرجة) و(الجزء) لا يلزم منهما أن يكون بمقدار الصلاة؟ والأول هو الظاهر لأنه ورد مبينا في بعض الروايات وكذلك لفظة (تضاعف) مشعرة بذلك.الرابع: استدل به بعضهم على تساوي الجماعات في الفضل وهو ظاهر مذهب مالك قيل: وجه الاستدلال به: أنه لا مدخل للقياس في الفضل وتقريره أن الحديث إذا دل على الفضل بمقدار معين مع امتناع القياس اقتضى ذلك الاستواء في العدد المخصوص ولو قرر هذا بأن يقال دل الحديث على فضيلة صلاة الجماعة بالعدد المعين فتدخل تحته كل جماعة ومن جملتها: الجماعة الكبرى والجماعة الصغرى والتقدير فيهما واحد بمقتضى العموم كان له وجه.ومذهب الشافعي زيادة الفضيلة بزيادة الجماعة وفيه حديث مصرح بذلك ذكره أبو داود «صلاة الرجل مع الرجل أفضل من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أفضل من صلاته مع الرجل» الحديث فإن صح من غير علة فهو معتمد.2- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسا وعشرين ضعفا وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة وحط عنه خطيئة فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه اللهم صل عليه اللهم اغفر له اللهم ارحمه ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة».الكلام عليه من وجوه:أحدها: أن لقائل أن يقول: هذا الثوب المقدر لا يحصل بمجرد صلاة الجماعة في البيت وذلك بناء على ثلث قواعد:الأولى: أن اللفظ- أعني قوله صلى الله عليه وسلم: «وذلك»- أنه يقتضي تعليل الحكم السابق وهذا ظاهر لأن التقدير: وذلك لأنه وهو مقتض للتعليل وسياق هذا اللفظ في نظائر هذا اللفظ يقتضي ذلك.الثانية: أن محل الحكم لابد أن تكون علته موجودة فيه وهذا أيضا متفق عليه وهو ظاهر أيضا لأن العلة لو لم تكن موجودة في محل الحكم لكانت أجنبية عنه فلا يحصل التعليل بها.الثالثة: إن ما رتب على مجموع لم يلزم حصوله في بعض ذلك المجموع إلا إذا دل الدليل على إلغاء بعض ذلك المجموع وعدم اعتباره فيكون وجوده كعدمه ويبقى ما عداه معتبرا لا يلزم أن يترتب الحكم على بعضه.فإذا تقررت هذه القواعد فاللفظ يقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بمضاعفة صلاة الرجل في الجماعة على صلاته في بيته وسوقه بهذا القدر المعين وعلل ذلك باجتماع أمور منها: الوضوء في البيت والإحسان فيه والمشي إلى الصلاة لرفع الدرجات وصلاة الملائكة عليه ما دام في مصلاه.وإذا علل هذا الحكم باجتماع هذه الأمور فلابد أن يكون المعتبر من هذه الأمور موجودا في محل الحكم وإذا كان موجودا فكل ما أمكن أنن يكون معتبرا منها فالأصل: أن لا يترتب الحكم بدونه فمن صلى في بيته في جماعة لم يحصل في صلاته بعض هذا المجموع وهو المشي الذي به ترفع له الدرجات وتحط عنه الخطيئات فمقتضى القياس أن لا يحصل هذا القدر من المضاعفة له لأن هذا الوصف أعني المشي إلى المسجد مع كونه رافعا للدرجات حاطا للخطيئات لا يمكن إلغاؤه وهذا مقتضى القياس في هذا اللفظ إلا أن الحديث الآخر وهو الذي يقتضي ترتيب هذا الحكم على مطلق صلاة الجماعة يقتضي خلاف ما قلناه وهو حصول هذا المقدار من الثواب لمن صلى جماعة في بيته فيتصدى النظر في مدلول كل واحد من الجديثين بالنسبة إلى العموم ووصوري عن أحمد رحمه الله رواية أنه ليس يتآذى الفرض في الجماعة بإقامتها في البيوت أو معنى ذلك ولعل هذا نظرا إلى ما ذكرناه.البحث الثاني: هذا الذي ذكرناه أمر يرجع إلى المفاضلة بين صلاة الجماعة في المساجد والانفراد وهل يحصل للمصلي في البيوت جماعة هذا المقدار من المضاعفة أم لا؟ والذي يظهر من إطلاقهم حصوله وولست أعني أنه لا تفضل صلاة الجماعة في البيت على الانفراد فيه فإن ذلك لا شك فيه إنما النظر في أن هل يتفاضل بهذا القدر المخصوص أم لا؟ ولا يلزم من عدم هذا القدر المخصوص من الفضيلة عدم حصول مطلق الفضيلة.وإنما تردد أصحاب الشافعي في أن إقامة الجماعة في غير المساجد هل يتأدى بها المطلوب؟ فعن بعضهم أنه لا يكفي إقامة الجماعة في البيوت في إقامة الفرض أعني إذا قلنا إن صلاة الجماعة فرض على الكفاية وقال بعضهم يكفي إذا اشتهر كما إذا صلى صلاة الجماعة في السوق مثلا والأول عندي أصح لأن أصل المشروعية إنما كان في جماعة المساجد هذا وصف معتبر لا يتأتى إلغاؤه وليست هذه المسألة هي التي صدرنا بها هذا البحث: أولا: لأن هذه نظر في أن إقامة الشعار هل تتآذى بصلاة الجماعة في البيوت أم لا؟ والذي بحثناه أولا هو أن صلاة الجماعة في البيت هل تتضاعف بالقدر المخصوص أم لا؟.البحث الثالث: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه» يتصدى النظر هنا هل صلاته في جماعة في المسجد تفضل على صلاته في بيته وسوقه جماعة أو تفضل عليها منفردا؟ أما الحديث فمقتضاه أن صلاته في المسجد جماعة تفضل على صلاته في بيته وسوقه جماعة وفرادى بهذا القدر لأن قوله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الرجل في جماعة» محمول على الصلاة في المسجد لأنه قوبل بالصلاة في بيته وسوقه.ولو جربنا على إطلاق اللفظ لم تحصل المقابلة لأنه يكون قسم الشيء قسما منه وهو باطل وإذا حمل على صلاته في المسجد فقوله صلى الله عليه وسلم: «صلاته في بيته وسوقه» عام يتناول الأفراد والجماعة وقد أشار بعضهم إلى هذا بالنسبة إلى الانفراد في المسجد والسوق من جهة ما ورد أن الأسواق موضع الشياطين فتكون الصلاة فيها ناقصة الرتبة كالصلاة في المواضع المكروهة لأجل الشياطين كالحمام.وهذا الذي قاله- وإن أمكن في السوق- ليس يطرد في البيت فلا ينبغي أن تتساوى فضيلة الصلاة في البيت جماعة مع فضيلة الصلاة في السوق جماعة في مقدار الفضيلة التي لا توجد إلا بالتوقيف فإن الأصل: أن لا يتساوى ما وجد فيه مفسدة معينة مع ما لم توجد فيه تلك المفسدة.هذا ما يتعلق بمقتضى اللفظ ولكن الظاهر مما يقتضيه السياق: أن المراد تفضيل صلاة الجماعة في المسجد على صلاته في بيته وسوقه منفردا: فكأنه خرج مرج الغالب في أن من لم يحضر الجماعة في المسجد صلى منفردا.وبهذا يرتفع الإشكال الذي قدمناه من استبعاد تساوي صلاته في البيت مع صلاته في السوق جماعة فيهما وذلك لأن من اعبر معنى السوق مع إقامة الجماعة فيه وجعله سببا لنقصان الجماعة فيه عن الجماعة في المسجد يلزمه تساوي ما وجدت فيه مفسدة معتبرة مع ما لم توجد فيه تلك المفسدة في مقدار التفاضل أما إذا جعلنا التفاضل بين صلاة الجماعة في المسجد وصلاتها في البيت والسوق منفردا فوصف السوق هاهنا ملغى غير معتبر فلا يلزم تساوي ما فيه مفسدة مع مالا مفسدة فيه في مقدار التفاضل والذي يؤيد هذا: أنهم لم يذكروا السوق في الأماكن المكروهة للصلاة وبهذا فارق الحمام المستشهد بها.البحث الرابع: قد قدمنا أن الأوصاف التي يمكن اعتبارها لا تلغى فلينظر الأوصاف المذكورة في الحديث وما يمكن أن يجعل معتبرا ومالا أما وصف الرجولية: فحيث يندب للمرأة الخروج إلى المسجد ينبغي أن تتساوى مع الرجل لأن وصف الرجولية بالنسبة إلى ثواب الأعمال غير معتبر شرعا.وأما الوضوء في البيت: فوصف كونه في البيت غير داخل في التعليل وأما الوضوء: فمعتبر للمناسبة لكن: هل المقصود منه مجرد كونه طاهرا أو فعل الطهارة؟ فيه نظر ويترجح الثاني بأن تجديد الوضوء مستحب لكن الأظهر: أن قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا توضأ» لا يتقيد بالفعل وإنما خرج مخرج الغلبة أو ضرب المثال وأما إحسان الوضوء: فلابد من اعتباره وبد يستدل على أن المراد فعل الطهارة لكن يبقى ما قلناه: من خروجه مخرج الغالب أو ضرب المثال.وأما خروجه إلى الصلاة: فيشعر بأن الخروج لأجلها وقد ورد مصرحا به في حديث آخر: «لا ينهزه إلا الصلاة» وهذا وصف معتبر وأما صلاته مع الجماعة: فبالضرورة لابد من اعتبارها فإنها محل الحكم.البحث الخامس: الخطوة- بضم الخاء- ما بين قدمي الماشي وبفتحها: الفعلة وفي هذا الوضع هي مفتوحة لأن المراد فعل الماشي.3- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أثقل الصلاة على المنافقين: صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم انطلق معي برجال معهم حزم حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار».الكلام عليه من وجوه:أحدها: قوله صلى الله عليه وسلم: «أثقل الصلاة» محمول على الصلاة في جماعة وإن كان غير مذكور في اللفظ لدلالة السياق عليه وقوله عليه السلام: «لأتوهما ولو حبوا» وقوله: «ولقد هممت – إلى قوله- لا يشهدون الصلاة» كل ذلك مشعر بأن المقصود: حضورهم إلى جماعة المسجد.الثاني: إنما كانت هاتان الصلاتان أثقل على المنافقين لقوة الداعي إلى ترك حضور الجماعة فيهما وقوة الصارف عن الحضور أما العشاء: لأنها وقت الإيواء إلى البيوت والاجتماع مع الأهل واجتماع ظلمة الليل وطلب الراحة من متاعب السعي بالنهار.
|